أول شيء خلقه الله تعالى
يعد موضوع خلق الكون والبداية الأولى للحياة من أعمق وأهم الموضوعات التي اهتم بها الإنسان عبر العصور، حيث يتناول هذا الموضوع أصل الوجود ومرتكزات الخلق في الكون، وما بدأ به الله تعالى هذا الخلق العظيم. في العقيدة الإسلامية، هناك إجماع على أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الأحد، الذي بدأ الخلق بقدرته وعلمه، وأن له حكمة في كل ما خلقه، كما أن نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء توضح بشكل مفصل ما هو أول شيء خلقه الله تعالى.
مفهوم الخلق في الإسلام
الخلق في اللغة يعني الابتداع والإيجاد، وفي الشريعة الإسلامية يعني أن الله سبحانه وتعالى أوجد شيئًا من العدم ولم يكن له وجود قبلاً، دون تقليد أو مشابهة لما كان من قبل. ويؤمن المسلمون أن الله تعالى هو خالق كل شيء في السماوات والأرض، ولا شريك له في هذا الخلق، وهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء.
الخلق يبدأ من نقطة الصفر، بمعنى أن كل شيء في الوجود مخلوق ومدبر بأمر الله تعالى. ويهدف هذا الإيمان إلى توحيد الله وتقديسه، والاعتراف بقدرة لا محدودة على إحداث الكون والحياة.
الأدلة الشرعية حول أول شيء خلقه الله تعالى
تتواجد في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف إشارات واضحة ومباشرة حول أول شيء خلقه الله تعالى. من أشهر هذه الأدلة ما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، وفيه يذكر أن أول ما خلق الله هو “القلم”.
حديث القلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب القدر كله حتى تقوم الساعة.”
(رواه الترمذي وصححه الألباني)
هذا الحديث الشريف يدل على أن أول ما خلق الله من مخلوقاته هو القلم، وهو وسيلة الكتابة التي أمرها الله بكتابة كل ما سيكون في العالم من أحداث وأقدار حتى يوم القيامة. القلم في هذا السياق ليس مجرد أداة، بل هو رمز القدرة الإلهية على التقدير والتدبير.
القلم في القرآن الكريم
كما ذكر الله تعالى القلم في سورة العلق، أول سورة نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
“اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.” (العلق: 1-5)
في هذه الآيات يربط الله تعالى الخلق بالتعلم والكتابة التي تتم بالقلم، مما يعزز أهمية القلم في بداية الخلق من منظور إيماني.
الحكمة من خلق القلم أولاً
إن خلق القلم أولاً لا يعني فقط خلق أداة مادية، بل يشير إلى أن الله بدأ بخلق القدرة على التدوين والتقدير، وأن كل شيء في الكون مسير ومقدر مسبقًا. هذا يبرز مفهوم القدر في الإسلام، وأن كل ما يحدث في الوجود مكتوب منذ الأزل.
خلق القلم أولوية رمزية تمثل بداية علم الله بالحكمة، وتدوين كل ما هو مكتوب من أقدار وأفعال وأحداث في الكون، وهو ما يعكس النظام الإلهي الدقيق والتدبير المتقن لكل شيء.
تفسيرات العلماء والمفسرين
تناول العلماء والفقهاء هذه القضية بعمق، وتحدثوا عن أول خلق الله بناءً على الأحاديث النبوية وتفسير القرآن. من أبرز وجهات النظر:
-
ابن القيم الجوزية: أوضح في كتبه أن خلق القلم كان مقدمة لخلق كل شيء آخر، وأن القلم يمثل علم الله الذي لا ينضب، والذي يكتب كل ما سيقع في الوجود.
-
ابن كثير: أشار في تفسيره إلى الحديث الشريف الذي يثبت أن القلم أول ما خلق الله، وأن خلق القلم دليل على أن الله بدأ بأمر وإرادة مكتوبة ومدونة قبل الخلق.
-
الغزالي: ربط بين خلق القلم وخلق الروح، حيث قال إن خلق القلم يدل على بداية علم الله بخلق الروح والكون.
الخلق في مراحل وأول المخلوقات
يعتقد الإسلام أن خلق الله كان متدرجًا ومرتبًا وفق حكمة إلهية، حيث خلق الله الخلق بداية من غير مخلوقات مرئية أو مادية، ومنها:
-
الخلق غير المادي: مثل خلق القلم، والعرش، والكرسي، واللوح المحفوظ.
-
خلق الملائكة والجن: قبل خلق البشر، خلق الله الملائكة من نور، والجن من نار.
-
خلق آدم عليه السلام: وهو أول البشر، وبه بدأ تاريخ البشرية.
أهمية معرفة أول شيء خلقه الله تعالى
معرفة أول شيء خلقه الله تساعد الإنسان على فهم عمق خلق الله وقدرته، وكذلك تذكيره بأن كل شيء في الحياة مكتوب ومقدر، وأن الله هو الذي يوجه الكون كله بأمره. كما أن ذلك يعزز العقيدة ويقوي الإيمان بالله تعالى، بأن كل تفاصيل الكون لا تحدث عبثًا، بل بتدبير ومحكمة من الله.
الفرق بين خلق الله والخلق الطبيعي
لا ينبغي الخلط بين مفهوم خلق الله تعالى والخالق وبين العمليات الطبيعية التي تتم في الكون بعد الخلق. فخلق الله أول الأشياء يختلف عن العمليات التي تتم داخل الكون من تغيرات وتطورات، والتي تحدث بقوانين وضعها الله سبحانه وتعالى منذ بدء الخلق.
فالخلق هو إحداث الشيء من العدم، وهو من خصائص الله وحده، أما العمليات الطبيعية فهي أمور يسيرها الله بقدرته في الكون.
الخلاصة
أول شيء خلقه الله تعالى هو القلم، وهو دلالة على بداية الكتابة والتقدير، وأساس لتسجيل كل ما سيحدث في الكون حتى يوم القيامة. خلق القلم ليس مجرد أداة، بل يمثل بداية علم الله وتدبيره للخلق، وهو من الأمور التي تثبت عظمة الله وحكمته المطلقة. العلم بهذا الأصل يعزز الإيمان، ويذكر الإنسان بأن كل ما يمر به في الحياة مكتوب ومقدر من قبل خالقه، ما يجعل التسليم والتوكل على الله أساساً للحياة.
المصادر والمراجع
-
صحيح الترميذي، حديث رقم: 1342، باب كتاب القدر.
-
تفسير ابن كثير، تفسير سورة العلق.
